منتدى غرفة النصرة الإسلامية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى غرفة النصرة الإسلامية

منتدى غرفة النصرة الإسلامية


    الدرس الأول من دروس سلسلة دروس التوحيد للشيخ محمد حسان

    avatar
    رحى الأيام
    مشرف
    مشرف


    انثى
    عدد المساهمات : 39
    تاريخ التسجيل : 24/01/2010

    الدرس الأول من دروس سلسلة دروس التوحيد للشيخ محمد حسان Empty الدرس الأول من دروس سلسلة دروس التوحيد للشيخ محمد حسان

    مُساهمة  رحى الأيام الخميس فبراير 11, 2010 10:26 am

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين , محمد بن عبد الله الصادق الطاهر الأمين وبعد :
    نبدأ اليوم دروسنا مع الشيخ محمد حسان ضمن سلسلة دروس التوحيد
    ونبدأ مع الدرس الأول
    http://www.islamacademy.net/Index.aspx?function=Item&id=43&node=60&format=rm&lang=Ar
    والآن ننتقل وإياكم مع تفريغ الدرس :
    إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صلى وسلم، وزد وبارك عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأحبابه، وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد:
    فحياكم الله جميعاً أيها الأخوة الفضلاء، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعًا من الجنة منزلا، وأسأل الله جلّ وعلا الذي جمعنا في هذا الوقت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك ومولاه .
    ويسعدني كثيراً أن نفتتح في هذا اليوم المبارك الأكاديمية العلمية، بهذا اللقاء الطيب والذي أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعله بداية مباركة مسددة موفقة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، ونشرفُ أن نشرح لإخواننا هذا الكتاب الصغير في حجمه، العظيم في نفعه ألا وهو كتاب الأصول الثلاثة، ومن الفقه قبل أن نشرع بإذن الله تعالى في شرح الكتاب، أن نصف الكتاب وصفاً عاماً؛ ليأخذ طالب العلم فكرة عن الكتاب الذي سيتولى دراسته بإذن الله تعالى .
    الكتاب أيها الأفاضل، يُلاحظ أن المصنف رحمه الله تعالى لم يبدأ مباشرة بالحديث عن الأصول الثلاثة التي جعلها الشيخ عنواناً لكتابه هذا، وإنما قدم بين يدي الأصول الثلاثة بمقدمة شاملة جامعة تشتمل على ثلاثة موضوعات من الموضوعات المهمة جداً.
    أما الموضوع الأول: بدأه المصنف رحمه الله بقوله ( اعلم -رحمك الله- أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل.

    الأولى : هي العلم، وهي معرفة الله -تبارك وتعالى- ومعرفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة دين الإسلام .

    المسألة الثانية : العمل به ) أي العمل بالعلم .
    ( المسألة الثالثة : الدعوة إليه

    المسألة الرابعة : الصبر على الأذى فيه ) وسأذكر الأدلة -إن شاء الله تعالى- مفصلة مع الشرح .
    هذا هو الموضوع الأول الذي ضمنه الشيخ مقدمته الجامعة، ثم بدأ الموضوع الثاني في مقدمته بقوله: ( اعلم-رحمك الله- أنه يجب على كل مسلم ومسلمة، تعلم هذه المسائل الثلاث، والعمل بهن ) هذا موضوع آخر .
    ( المسألة الأولى : أن الله –تعالى- خلقنا، ورزقنا، ولم يتركنا هملا، وأرسل إلينا رسولاً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار ) هذه قواعد كلية جميلة . ( المسألة الثانية : أن الله –تعالى- لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل ) .
    ( المسألة الثالثة : أن من أطاع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ووحد الله –تعالى- لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب ) .
    هذا هو الموضوع الثاني الذي ذكره الشيخ -رحمه الله تعالى- في مقدمته الجامعة الماتعة.
    أما الموضوع الثالث الذي ذكره الشيخ في المقدمة بين يدي الأصول قال: ( اعلم أرشدك الله لطاعته: أن الحنيفية ملة إبراهيم: هي أن تعبد الله وحده لا شريك له، وبذلك أمر الله جميع الناس، وخلقهم لها. )
    هذه هي الموضوعات الثلاثة التي ذكرها الشيخ -رحمه الله تعالى- بين يدي الحديث عن الأصول الثلاثة .
    ثم شرع بعد ذلك في الحديث عن الأصول فقال: ( فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها ؟ فقل : معرفة العبد ربه -جلّ وعلا- ومعرفة دينه، ومعرفة نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- ) .
    ثم ختم المصنف -رحمه الله تعالى- كتابه هذا ببعض قضايا الإيمان باليوم الآخر: كالإيمان بالبعث والحساب، هذا وصف مجمل عام للكتاب الذي بين أيدينا، وكما ذكرت -أيها الأحبة- الكتاب مع صغر حجمه، فهو لا يتجاوز خمس ورقات، مع صغر حجمه إلا أنه عظيم الفائدة، بل لا أبالغ أبداً إن قلت بأن الكتاب مع هذه المقدمات التي ذكرها الشيخ -رحمه الله- بين يدي الأصول الثلاثة يشتمل على الدين كله بدون مبالغة، كما سنتولى ذلك بالشرح والتفصيل -إن شاء الله تعالى- .
    قال المصنف -رحمه الله:- ( بسم الله الرحمن الرحيم، اعلم -رحمك الله- أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل :

    الأولى : العلم ، وهو معرفة الله ومعرفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة دين الإسلام بالأدلة.

    الثانية : العمل به.

    الثالثة : الدعوة إليه .

    الرابعة : الصبر على الأذى فيه )
    نعم إذاً استهل المصنف -رحمه الله تعالى- كتابه بالبسملة، فقال: ( بسم الله الرحمن الرحيم ) اقتداء بالقرآن الكريم، فلقد بدأت كل سور القرآن الكريم بالبسملة باستثناء سورة براءة، واقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فمن الثابت أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يبدأ كتبه بالبسملة، ففي صحيح البخاري ( أنه -صلى الله عليه وسلم- أرسل كتاباً إلى هرقل، قال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ....... إلخ ) إلى آخر كتابه المبارك -صلى الله عليه وسلم- .
    الشاهد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بدأ كتابه هذا بالبسملة، فالمصنف -رحمه الله تعالى- اقتداء بالقرآن الكريم، واقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ كتابه القيم المبارك هذا أيضاً بالبسملة .
    والبسملة -أيها الأحبة- الحديث فيها طويل جليل، ستعجب إذا علمت أن الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى- في الجامع لأحكام القرآن الكريم، قد ذكر في البسملة، سبعاً وعشرين مسألة، في البسملة فقط ذكر فيها سبعاً وعشرين مسألة ( بسم الله ) أي أبدأ تصنيفي، وأبدأ عملي هذا، وأبدأ كتابي هذا ( بسم الله ) أبدأ عملي، وتصنيفي، وكتابي هذا بسم الله، وما أعظمها وأكرمها وأشرفها من بداية، ولقد حث الشرع الحنيف، وندب إلى ذكر اسم الله -تبارك وتعالى- مع كل فعل من الأفعال كالأكل، والشرب، والنوم، والركوب، والجماع، وغير ذلك من الأعمال قال الله -تبارك وتعالى:- ﴿ فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾[الأنعام:118] .
    وقال -تعالى:- ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ﴾ [هود:41] .
    وفى الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فال: ( أغلق إناءك واذكر اسم الله، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله، وأغلق بابك واذكر اسم الله، وأوك سقاءك واذكر اسم الله ) فاذكر اسم الله -تبارك وتعالى- على كل شيء اذكر اسم الله -عز وجل- على كل شيء .
    وفى الصحيحين –أيضاًَ- من حديث عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: ( يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك ) .
    إذاً البدء -أيها الأحبة- باسم الله في كل شيء بركة، نحتاج إليها في زمن جفت فيه ينابيع البركة، نحتاج إلى أن نبدأ بالبسملة في كل فعل وعمل من الأعمال في زمن الماديات، والشهوات، فما أبركها وأشرفها وأعظمها من بداية أن تبدأ القول باسم الله، وأن تبدأ الفعل والعمل باسم الله .
    قال الله -جلّ وعلا-: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [ الأعراف:96] .
    فإننا في زمان الماديات والشهوات، أسقط كثير من الناس من قواميس حياتهم مفهوم البركة، ومعنى البركة، وإنها –والله- لنعمة من نعم الله -تبارك وتعالى- يمتن الله -عز وجل- بها على من يشاء من عباده: أن يبارك الله -عز وجل- في وقته، وفى عمره، وفى قوله، وفى فعله، وفى نومه، وفى طعامه، وفى شرابه، فإذا أردت أن يبارك الله لك، وأن يبارك الله عليك، فعليك أن تبدأ قولك وعملك باسم الله ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ .
    يتبع
    avatar
    رحى الأيام
    مشرف
    مشرف


    انثى
    عدد المساهمات : 39
    تاريخ التسجيل : 24/01/2010

    الدرس الأول من دروس سلسلة دروس التوحيد للشيخ محمد حسان Empty رد: الدرس الأول من دروس سلسلة دروس التوحيد للشيخ محمد حسان

    مُساهمة  رحى الأيام الخميس فبراير 11, 2010 10:30 am

    بسم الله، الله لفظ الجلالة هو الاسم المفرد العلم، الدال على كل الأسماء الحسنى، والصفات العلى؛ لذا كل الأسماء الحسنى تنسب إليه فأنت تقول: الملك، والقدوس، والسلام، والمؤمن، والمهمين، والعزيز، والجبار، إلى غير ذلك من أسماء الجلال، كل هذه الأسماء من أسماء الله، ولا تقول: الله من أسماء القدوس، ولا تقول: الله من أسماء المؤمن، ولا تقول: الله من أسماء الملك، فكل الأسماء الحسنى تنسب إليه، فهو الاسم المفرد العلم الدال على جميع الأسماء الحسنى، والصفات العلى .
    والصحيح كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى : أنه مشتق من الإله، والإله هو المعبود الذي يستحق أن يفرد وحده بالعبادة والألوهية .
    بسم الله الرحمن الرحيم، الرحمن الرحيم قال ابن عباس : الرحمن الرحيم اسمان رقيقان، أحدهما أرق من الآخر، أي أكثر رحمة .
    وقال عبد الله بن المبارك: الرحمن الذي إذا سئل أعطى، والرحيم الذي إذا لم يسأل يغضب.
    والذي أود أن أؤكد عليه دون الدخول في تقصيلات للفرق بين اسم الرحمن والرحيم، الذي أود أن أؤكد عليه أن الاسمين الجليلين يثبتان صفة الرحمة لله -تبارك وتعالى- ونحن نثبت لله جلّ وعلا ما أثبته لذاته من الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وما أثبته له أعرف الخلق به عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، ونؤمن بهذه الأسماء والصفات من غير تحريف لألفاظها، ومن غير تحريف لمعانيها، ومن غير تعطيل، أو تشبيه، أو تمثيل .
    قال الله جلّ وعلا ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾[ الشورى: 11] الله أثبت لنفسه صفة الرحمة، فالمثبت له صفة الرحمة بما يليق بجلاله وكماله، أثبت لنفسه صفة الغضب، أثبت لنفسه صفة التعجب، أثبت لنفسه صفة النزول، إلى آخر الصفات الجليلة الكريمة، فنحن نؤمن بهذه الأسماء، ونؤمن بهذه الصفات دون أي تعطيل، لا للاسم، ولا للصفة، قال -جلّ وعلا:- ﴿ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [ الأنعام:103] .
    قال -جلّ وعلا:- ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11]
    قال -جلّ وعلا:- ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الاخلاص:1] أحد في ذاته، أحد في صفاته، أحد في أسمائه، أحد في أفعاله، لا ند له، ولا والد له، ولا ولد له، ولا كُفُأ له، ولا شبيه له، ولا زوج له، ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ فالاسمان الجليلان يثبتان صفة الرحمة لله -تبارك وتعالى- وهي من أعظم وأجل صفات الله -جلّ وعلا- قال –تعالى:- ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر:53] .
    قال –تعالى:- ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾[الأعراف: 156] وفى الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إن الله –تعالى- كتب في كتاب عنده، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي ) وفى لفظ ( سبقت غضبي ) يا له من فضل فالرحمة صفة من أرق وأجمل صفات الله -تبارك وتعالى- ومن جميل ما قرأت في هذا الباب ما رواه البخاري، وغيره من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأي امرأة من السبي تبحث عن ولدها، فلما رأت الأم ولدها؛ ألصقته ببطنها، وأرضعته؛ فتأثر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا المشهد الرقراق من مشاهد الرحمة والرقة، فسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، وقال:( أترون هذه الأم طارحة ولدها في النار ؟) قالوا: لا، يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (لله أرحم بعباده من رحمة الأم بولدها ) الله، (لله أرحم بعباده من رحمة الأم بولده) ورحمة الأم بولدها لا يستطيع بليغ أن يجسدها، أو أن يعبر عنها؛ لذا قال أحد الصالحين يوماً: اللهم إنك تعلم أن أمي هي أرحم الناس بي، وأنا أعلم أنك أرحم بي من أمي، وأن أمي لا ترضى لى الهلاك والعذاب، أفترضاه لي أنت، وأنت أرحم الراحمين ؟
    فما أقبل عبد على الله -تبارك وتعالى- إلا وفرح الله -عز وجل- بإقباله وتوبته وأوبته؟، لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم، كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه راحلته، وعليها طعامه وشرابه؛ فآيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد آيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ به يرى راحلته قائمة عند رأسه فقال : اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، وفى الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة، حتى يضع رب العزة عليه كنفه ) والكنف في اللغة: الستر، والرحمة، فلسنا ممن يؤول صفة ( حتى يضع رب العزة عليه كنفه، ويقرره بذنوبه، فيقول الرب للعبد: لقد فعلت كذا وكذا، يوم كذا وكذا ) أي من الذنوب والمعاصي ( فيقول العبد المؤمن: رب أعرف، رب أعرف، فيقول الله -جلّ وعلا:- ولكني سترتها عليك في الدنيا، وأغفرها لك اليوم ) والحديث عن الرحمة حديث طويل جليل جميل، لكن الذي أود أن أؤصله، وأؤكد عليه: أن الاسمين الجليلين الرحمن الرحيم يثبتان صفة الرحمة لله -تبارك وتعالى- ونحن نثبت لله ما أثبته لذاته من أسماء الجلال، وصفات الكمال من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تمثيل، قال -جل جلاله:- ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11].
    أعد علي مرة أخرى قول المصنف -رحمه الله تعالى- بعد المسألة .
    قال المصنف: ( اعلم -رحمك الله- أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل :
    الأولى : العلم وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ) حسبك.
    قال المصنف -رحمه الله تعالى:- ( اعلم -رحمك الله-) ما أجملها من بداية، انظر إلى شفقة المصنف، انظر إلى رقته ورحمته، بمن يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى- ( اعلم -رحمك الله-) بداية يستثير بها الاهتمام، بداية يستجيش بها العواطف، بداية يحرك بها الوجدان ( اعلم -رحمك الله-) أي جعلك الله أهلاً لرحمته وفضله، وأود أن أقف هنا لحظات؛ لأذكر طلبة العلم، والدعاة إلى الله -تبارك وتعالى- أن يبدأوا دعوتهم مع المكلفين، ومع المخلوقين، ومع الناس برحمة، برقة، شتان شتان بين أن تبدأ الحديث مع مكلف أو مدعو بقولك: اعلم -رحمك الله-بابتسامة مشرقة، وبين قولك كذا كذا، أو يجب عليك كذا، أو افعل كذا بغلظة وقسوة، محال، محال أن تستحوذ على قلبه، لكن افتح قلبه بكلمة رقيقة، افتح قلبه بابتسامة مشرقة، فكثير من إخواننا الدعاة وطلبة العلم يظنون أن الأسنان عورة، لا يجب عليهم أن يكشفوا عنها، لا- يا أخي- أظهر بياض أسنانك لإخوانك ممن تبلغهم دين الله -تبارك وتعالى- قال الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران:159] .
    وأود من طلابنا أن يفرقوا بين مقامين في غاية الأهمية: بين مقام الدعوة إلى الله، ومقام الجهاد؛ لأنني أرى خلطاً رهيباً بين مقام الدعوة والجهاد، فمقام الجهاد غلظة ورجولة ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ [التوبة:73 ] لكنك في مقام الدعوة لست في مقام جهاد، وإنما في مقام دعوة، مقام الدعوة الرحمة، مقام الدعوة الحكمة، مقام الدعوة اللين، وهذا المنهج الدعوي -أيها الأحبة- منهج توقيفي، لم يدعه ربنا -تبارك وتعالى- لنبي من الأنبياء، ولا لرسول من الرسل، فضلاً عن داعية من الدعاة، وإنما هو منهج توقيفي لا يختلف باختلاف الزمان والمكان، إن كنت في دعوة فعليك أن تكون رحيماً رقيقً مهذباً مؤدباً، عليك أن تعلم أنك تخاطب خلقاً، تخاطب بشراً، تخاطب نفوساً بشرية فيها الإقبال والإحجام، فيها الخير والشر، فيها الحلال والحرام، فيها الطاعة والمعصية، فيها الفجور والتقوى، فيها الإقبال والإدبار، فعليك أن تكون ملماً بمفاتيح هذه النفس البشرية؛ لتسبر أغوارها، ولتتغلغل إلى أعماقها، محال أن تدخل قلب من تدعوه إلى الله، وأن تبلغه عن الله وعن رسوله إلا برحمة، وإلا برقة، إلا إذا قلت له: اعلم رحمك الله، اعلم رحمك الله، فما أرقها من بداية! وما أجملها من بداية! فمقام الدعوة ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ﴾ [النحل:125] الحكمة: ليست كلمة يرددها داعية أو عالم، هكذا .
    قال ابن القيم رحمه الله : الحكمة هي فعل ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، وأركانها العلم، والحلم، والأناة، وآفاتها، وأضادها، ومعاول هدمها: الجهل، والطيش، والعجلة.
    أكرر تعريف الحكمة : الحكمة هي فعل ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، وأركانها: العلم، والحلم، والأناة، وآفاتها، وأضادها، ومعاول هدمها: الجهل، والطيش، والعجلة ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ [النحل:125] ولاحظ أن الله وصف الموعظة بقوله الحسنة، ولم يذكر الحكمة بالحسنة؛ لأن الحكمة الحسن أصل فيها، ووصف ذاتي لها، لا يمكن أبداً أن توصف الحكمة بغير الحسن ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾ وقال الله لنبيين كريمين هما موسى وهارون -على نبينا وعليهما أفضل الصلاة والسلام:- ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾[ طه: 43-44] قال قتادة: سبحانك ربي ما أحلمك، تأمر موسى وهارون أن يقولا لفرعون قولاً ليناً، إن كان هذا حلمك بفرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى، فكيف يكون حلمك بعبد قال: سبحان ربي الأعلى، فما أفقه المصنف! وما أرق قلبه! وما أرحمه! بمن يدعوهم إلى الله -تبارك وتعالى- حين بدأ بهذه الكلمات الرقيقة، التي لا تزيد على ثلاث كلمات: اعلم -رحمك الله-إنها كلمات تستثير الانتباه، وتستثير الاهتمام، وتستجيش العواطف، وتحرك الوجدان، إذا قلت لك اعلم -رحمك الله-أصغيت لي سمعك، وانتبهت، اعلم -جعلك الله أهلاً لرحمته، وأهلاً لفضله وبركته- اعلم أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل.
    الواجب، نعرف الواجب عند علماء الأصول، الواجب: هو ما أُمر به أمراًَ جازماً، وضابطه أن فاعله موعود بالثواب، وأن تاركه متوَعد بالعقاب، أكرر الواجب عند علماء الأصول: هو ما أُمر به أمراًَ جازماً، انتبهوا هو ما أُمر به أمراًَ جازماً، هذا هو تعريف الواجب عند علماء الأصول، وضابطه أن فاعله موعود بالثواب، وأن تاركه متوَعد بالعقاب .
    عرف الشيخ -رحمه الله تعالى- العلم، فقال: ( العلم ) كما سأبين الآن ( هو معرفة الله -عز وجل- ومعرفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة دين الإسلام بالأدلة ) وهناك من أهل العلم من عرف العلم بقوله: العلم: هو إدراك الشيء على حقيقته، أو على صورته إدراكاً جازماً، ومن باب الأمانة العلمية –أيضاً- فهناك من أهل العلم من فرق بين العلم، والإدراك، والمعرفة. ولا يتسع الوقت لذكر هذه التفصيلات الآن، فهناك من أهل العلم من فرق بين العلم، والإدراك، والمعرفة، المهم أن الشيخ اختار للعلم تعريفاً فقال: ( هو معرفة الله، ومعرفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة دين الإسلام ) .
    (اعلم أنه يجب علينا ) لاحظ أن الشيخ هنا لا يقصد أبداً الواجب الذي هو بمرتبة أدنى من الفرض عند أبي حنيفة -رحمه الله- وإنما يقصد تماماً الواجب الذي هو بمعنى الفرض، فالواجب: هو الفرض عند الإمام مالك، وعند الإمام الشافعي، وهو القول الصحيح الثابت عن الإمام أحمد، الفرض: هو الواجب. خالف أبو حنيفة -رحمه الله- الجمهور ففرق بين الفرض والواجب، لكن المصنف هنا يقصد الواجب الذي هو بمعنى الفرض، ففرض على كل مكلف أن يعرف ربه، وأن يعرف نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأن يعرف دينه الذي هو الإسلام، فرض على كل مكلف أن يعرف التوحيد، أن يعرف الصلاة، وأن يتعرف على الصيام إن كان من أهل الصيام، وأن يتعرف على ركن الزكاة إن كان من أهل الزكاة، وأن يتعرف على الحج إن كان ممن يستطيع الحج.
    فالشيخ يقصد هنا بالواجب: الواجب الذي هو بمعنى الفرض، وهو قول الأئمة مالك، والشافعي، وأحمد رحم الله الجميع .
    ( اعلم -رحمك الله-أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل :

    المسألةُ الأولى ) أو المسألةِ الأولى واللغتان صحيحتان .
    ( المسألةُ الأولى : العلم ) وعرف الشيخ العلم بقوله: ( هو معرفة الله، ومعرفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة دين الإسلام بالأدلة )
    أخي، الحديث عن العلم حديث جميل، ويحتاج لا أقول إلى حلقة واحدة، بل إلى حلقات، فما أمر الله -جلّ وعلا- نبيه -صلى الله عليه وسلم- بطلب الازدياد من شيء في هذه الدنيا إلا العلم فقال -جلّ وعلا:- ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْم﴾[طـه: 114] .
    يتبع
    avatar
    رحى الأيام
    مشرف
    مشرف


    انثى
    عدد المساهمات : 39
    تاريخ التسجيل : 24/01/2010

    الدرس الأول من دروس سلسلة دروس التوحيد للشيخ محمد حسان Empty رد: الدرس الأول من دروس سلسلة دروس التوحيد للشيخ محمد حسان

    مُساهمة  رحى الأيام الخميس فبراير 11, 2010 10:36 am

    فالعلم: هو الأنيس في الوحدة، وهو الأنيس في الغربة، وهو المحدث في الخلوة، به يعرف الله ويوحد، ويعبد ويحمد ويمجد، لا يمنحه الله -تبارك وتعالى- إلا للسعداء، ولا يحرم منه إلا الأشقياء، ولقد استمعنا بل واغرورقت عيني بالدموع؛ لهذه الكلمات الرقراقة الجميلة لشيخنا سماحة الوالد عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- في بداية الحلقة، وهو يذكرنا بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الصحيحين من حديث معاوية ابن أبي سفيان -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) فقال الشيخ: فمن لم يتفقه في الدين ما أراد الله به خيراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
    فمن أراد الله به الخير علمه، وفقهه في دين الله -تبارك وتعالى-.
    الناس من جهة الأصل أكفاء أبوهم آدم والأم حواء
    نفس كنفس وأرواح مشابهة وأعظم خلقت فيهم وأعضاء
    فإن يكن لهم من أصلهم حسب يفاخرون به فالطين والماء
    ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء
    وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء
    ففز بعلم تعش حياً به أبداً فالناس موتى وأهل العلم أحياء
    نعم، لا حياة إلا بالعلم، فالعلم حياة القلوب من مرض الشبهات، وحياة الأبدان من مرض الشهوات، والعلم نور العقول، وزاد للمسلم الذي يريد الوصول إلى الله -تبارك وتعالى- .
    وما دام الناس على علم فهم في هدى، وعلى خير، فإذا قبض العلم بقبض العلماء، وقع الناس في الضنك، والضلال، والشقاق، رفع الله قدر العلم وأهله، رفع الله قدر العلم، وأعلى الله -عز وجل- شأن أهل العلم كذلك فقال -سبحانه وتعالى:- ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[المجادلة: 11] .
    استمعنا في أول اللقاء لقول الله –تعالى:- ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾[ الزمر: 9] بل من أرق الآيات التي يشهد الله -تبارك وتعالى- بها لأهل العلم أن أول من شهد لله بالوحدانية هو الله، لاحظوا هذه اللطيفة الرقيقة، ثم ثنى بملائكته، ثم ثلث بأهل العلم، فقال -جلّ جلاله:- ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾ إذاً أول من شهد لله بالوحدانية هو الله ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ ﴾ أي وكذا الملائكة شهدت لله بالوحدانية -جلّ وعلا- ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ ﴾ أي وكذلك شهد أولو العلم بالوحدانية لله -تبارك وتعالى- ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:18] .
    وتدبروا معي هذا الحديث الجميل الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إن الله –تعالى- لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يترك عالم) وفى لفظ ( حتى إذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ) وفى لفظ ( روءساء جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم؛ فضلوا، وأضلوا ) مصيبة كبرى أن يتجرأ على الفتوى الآن كثير من الجهلاء، ممن لا يحسنون أن يفرقوا بين الدليل، ومراتب الدليل، ومناطات الدليل، ممن لا يحسنون أن يفرقوا بين المجمل، والمبين، والعام، والخاص، والناسخ، والمنسوخ ( إن الله –تعالى- لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس ) أبداً ( ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمٌ اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم؛ فضلوا، وأضلوا ).
    لذا كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- شديد الحفاوة بالعلم، وشديد الحفاوة بطلاب العلم، ففي مسند الإمام أحمد، ومعجم الطبراني بسند جيد من حديث صفوان بن عسال المرادي -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في المسجد متكئ على برد له أحمر فقلت- والقائل صفوان- قلت: يا رسول الله، إني جئت أطلب العلم قال:( مرحب) قال: (مرحباً بطالب العلم، إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضاً، حتى يبلغوا السماء الدنيا؛ من محبتهم لما يطلب ) انظر كم فرط الناس في هذا الفضل، وانشغل كثير من الناس عن هذا الخير، فقد يعد أحدنا لمشروع تجاري، أو اقتصادي أكثر من دراسة جدوى، هذا أمر جميل، أنا لا أقلل من شأنه أبداً، فالأمة يجب عليها أن تبدع في كل مجالات الحياة، وأن تأخذ بالأسباب فهي أمة السببية، هي أمة الأخذ بالأسباب، وعلمها نبينا -صلى الله عليه وسلم- التوكل في كل شيء، والتوكل هو صدق اعتماد القلب على الله مع الأخذ بالأسباب .
    أنا لا أقلل من شأن هذا، لكن الذي يدمي القلب أن يعد أحدنا لمشروع تجاري أكثر من دراسة جدوى، في الوقت الذي لا يفكر أن يمنح لنفسه ساعة؛ ليتعلم فيها عن الله -جلّ وعلا- وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم:7] وقال -جلّ جلاله:- ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل:66] فهو يعلم ظاهراً من الحياة، لكن لا يعلم شيئاً عن الله، ولا يعلم شيئاً عن أسماء جلاله، ولا عن صفات كماله، ولا يعلم شيئاً عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- ولا يعلم شيئاً عن دين الإسلام، لا عن الإسلام، ولا عن الإيمان، ولا عن الإحسان، ولا عن أركان الإيمان، لا يعلم شيئاً عن هذا، وربما تراه قد حصل شهادة الدكتوراه في هذا الجانب أو ذاك من جوانب العلم المادي، لا نقلل من شأن هذا، لكن يجب على كل مكلف أن يتعلم عن الله، وأن يتعلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فروض الأعيان التي لا يصح أبداً لمكلف أن يجهلها .
    الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور
    أي أجسام الجهلاء قبور للجهلاء قبل أن ينزلوا إلى القبور .
    الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور
    وأرواحهم في وحشة من جسومهم وليس لهم قبل النشور نشور
    فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرحب بطلاب العلم، (مرحباً بطالب العلم، إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضها بعضا، حتى يبلغوا السماء الدنيا؛ من محبتهم لما يطلب) ومن جميل ما قرأت في هذا الباب ما رواه الترمذي، وابن ماجة، والنسائي وغيرهم بسند حسن بشواهده، من حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً؛ سهل الله له طريقاً إلى الجنة ) وهذا له أصل في صحيح مسلم، هذه الفقرة ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً؛ سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم؛ رضاً بما يصنع ) انتبه (وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم؛ رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، إنما ورثوا العلم فمن أخذه، أخذ بحظ وافر ) .
    وفى سنن الترمذي بسند حسن من حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر له رجلان أحدهما عابد، والآخر عالم، فقال -صلى الله عليه وسلم:- (فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم) انظر إلى فضل العلم؛ لتكون صاحب همة عالية في الطلب .
    فمن يتهيب صعود الجبال يعيش أبدا الدهر بين الحفر
    ولم أرَ في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام
    ما أكثر الأوقات التي نضيعها، ذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فقال -صلى الله عليه وسلم:- ( فضل العالم على العابد كفضلي ) أي كفضل النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ( على أدناكم ) ويا له من فضل لا يعرف هذا الفضل إلا الله، (كفضلي على أدناكم) وفى صحيح مسلم من حديث أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بينما هو يجلس يوماً بين أصحابه، في حلقة علم أقبل ثلاثة نفر، أما أحدهم فرأى فرجة فجلس فيها، وأما الآخر فاستحيا -يعني استحيا أن يتخطى الرقاب والصفوف- ونسأل الله أن يرزقنا الحياء، فما أقل من يمتثل هذا الأدب في مجالس العلم وفى خطب الجمعة- استحيا فجلس خلف الصف، وأما الثالث أعرض عن المجلس، فلما قضى النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثه قال -صلى الله عليه وسلم:- (ألا أخبركم عن النفر الثلاثة: أما أحدهم آوى إلى الله ) هذا من؟ الذي سد الفرجة ( أما أحدهم: آوى إلى الله؛ فآواه الله، وأما الثاني ) أي الذي استحيا أن يخطى الرقاب ( وأما الثاني: استحيا؛ فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض، فأعرض الله عنه ) والحديث أيها الأحبة، في فضل العلم جليل، طويل، عظيم، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا في كثير من الأحاديث بفضل العلم، وبمكانة العلم، وواجب على كل مسلم -كما ذكرنا شيخنا -رحمه الله تعالى- أن يتعلم عن الله وعن رسول -صلى الله عليه وسلم- ليعبد الله -عز وجل- عبادة صحيحة على كتاب الله، وعلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
    نكتفي بهذا القدر .
    فتح الله عليكم فضيلة الشيخ
    - فاصل -
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أولاً: أنتقل من شكركم إلى الدعاء لكم، فجزاكم الله خيراً على هذه البرامج، ووفقكم الله، ثانيًا: وهو سؤالي للشيخ ، يا شيخ، السلام عليكم
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
    شيخ، الله يبارك فيك ويجزيك خير عندي سؤال الله يجزيك خير، سؤال هو: لماذا لم يدعُ الشيخ لنفسه في مقدمة الكتاب، ودعا لمن قرأ الكتاب، مع ورود الدليل عند الدعاء بالبدء بالنفس ؟
    والله، إن دل هذا فإنما يدل -كما ذكرت- على شفقة الشيخ ورحمته -رحمه الله تعالى- فهو لأنه يخاطب المكلف أو المدعو الذي يريد أن يبين له عن الله وعن رسوله، فخصه بالدعاء والمراد أنه خص المدعو بالدعاء؛ ليستثير اهتمامه وانتباهه، وأسأل الله -عز وجل- أن يتقبل منا دعاءنا نحن للشيخ، إنه ولي ذلك ومولاه .
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بداية أشكركم وأبارك لكم في بداية هذه الدروس، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعله عملاً خالصاً لوجهه - سبحانه وتعالى - يا شيخ، نريد نصيحتك في بداية هذا الطلب، ما الطريقة السليمة لتلقي العلم حتى نجمع ما بين العلم والعمل معاً؟ وكيف نتلقى هذه الدروس؟ هل نستمع إليها ونكتب مباشرة، أم نستمع إليها أولا بذاتها ثم بعد ذلك نكتب؟
    هذا سؤال مهم جداً، وأظن أن كل طلابنا في أمس الحاجة إليه، نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص والقبول، والخطوة الأولى على الطريق للاستفادة من العلم ليترجم إلى العمل، الخطوة الأولى: هي الإخلاص: هي أن نخلص النية لله -تبارك وتعالى- في طلب هذا العلم، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول كما في سنن الترمذي، وفى مستدرك الحاكم، وسنن ابن ماجة وغيرها، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ( من تعلم العلم؛ ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس إليه فهو في النار ) وأنتم تعلمون كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضى الله عنه- ( أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة ) وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- من هؤلاء فقال: ( وعالم أو وقارئ للقرآن ) ( عالم وقارئ للقرآن فأتي به فعرفه نعمه؛ فعرفها، قال: فما عملت؟ قال: تعلمت وعلمت، قال: كذبت، ولكنك تعلمت؛ ليقال هو عالم، وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل قرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما علمت فيها؟ قال: قرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك قرأت؛ ليقال هو قارئ، فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار) ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    فالخطوة الأولى: هي أن نخلص النية لله -تبارك وتعالى- وأن نطهر الطوية، وأن نصفي السريرة، وأن يكون عملنا ابتغاء وجهه جلّ وعلا، نسأل الله جلّ جلاله أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل .
    والأمر الثاني: أن يجلس من أراد أن يطلب هذا العلم المبارك، وهو متصور أنه في مجلس علم، يجلس بالورقة والقلم، فأنا لا أريد أن تجلس الأخت أمام التلفاز، أو أن يجلس الأخ أمام التلفاز، وكأنه يشاهد برنامجاً عادياً من البرامج، بل هذا مجلس علم، فلو أنه أحضر كراسة خاصة بمادة الأصول الثلاثة، وكراسة خاصة بمادة التفسير، وكراسة خاصة بمادة الفقة وهكذا، بحيث درس اليوم للشيخ فلان، وموضوع الحلقة كذا وكذا ثم يسجل؛ لأن العلم لا يقيد إلا بالكتابة، قيدوا العلم بالكتابة، وفى مسند أحمد بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه، فنهتني قريش عن ذلك، وقالوا: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بشر يتكلم في الغضب والرضا؛ فأمسكت عن الكتابة، ثم ذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- (فأشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى فمه المبارك، وقال لعبد الله: اكتب، فو الذي نفسي بيده ما خرج مني إلا الحق ) الشاهد قول عبد الله بن عمر كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أريد حفظه .... يتـــبع
    avatar
    رحى الأيام
    مشرف
    مشرف


    انثى
    عدد المساهمات : 39
    تاريخ التسجيل : 24/01/2010

    الدرس الأول من دروس سلسلة دروس التوحيد للشيخ محمد حسان Empty رد: الدرس الأول من دروس سلسلة دروس التوحيد للشيخ محمد حسان

    مُساهمة  رحى الأيام الخميس فبراير 11, 2010 10:41 am

    فعلى الأخت الفاضلة أن تجلس، وأن تقيد ما استطاعت تقييده من هذه الحلقات، ومن هذه البرامج .
    الأمر الثالث: أن تجعل لنفسها وقتاً لمراجعة ما كتبت بيدها، وإن احتاجت إلى أن تزيد على ما كتبت، زادت بالعودة إلى المراجع وإلى كتب أهل العلم .
    النقطة الرابعة: لا ينبغي لطالب العلم أو لطالبة أن تستحيي إذا استشكل عليه أو إذا استشكلت عليها مسألة من المسائل .
    فالعلم يضيع بين الكبر والحياء، فلتسأل، وليسأل المسلم أهل العلم؛ ليتعرف على ما يريد، ثم بعد ذلك، يجب على طالب العلم، أن يكون فاهماً لمصطلحات أهل العلم إن قرأ من كتبهم، وألا يعتمد اعتماداً كلياً على القراءة من الكتب؛ لأن من كان شيخه كتابه غلب خطؤه صوابه، فلابد من مراجعة العلماء الربانيين، وهؤلاء بفضل الله لا تخلو منهم الأمة أبداً؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول -كما في الصحيحين من حديث معاوية:- ( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ) .
    إذاً إخلاص النية، والاجتهاد في تقييد هذه الدروس، ومراجعتها، وأن يبذل المسلم وأن تبذل المسلمة وقتاً وجهداً لهذا، ثم تسأل الله -تبارك وتعالى- أن يعينها بعد ذلك على العمل، وسوف نفرد لقاءً كاملاًَ للأصل أو للمسألة الثانية ألا وهي العمل بالعلم إن شاء الله تعالى .
    نحن في منطقة يا شيخ ربما تكون صغيرة ما فيها طلبة علم، فهل لي أن أطلب العلم عبر الأشرطة والكتيبات، كأن أسمع الأشرطة، وأقرأ الكتب فإذا أشكلت علي مسألة، قد يأتي إلى أهل العلم ليستفسر منهم في هذه المسألة، فهل يعتبر في هذا الإطار أنه طالب للعلم، أم يجب علينا أن نحضر عند شيخ في مسجد أو في حلقة حتى أكون طالب علم؟ ...... أكرر مرة ثانية وثالثة إني أحبك في الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أحبك الذي أحببتني فيه وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجمعنا بك أخي الحبيب مع المتحابين في جلاله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يبارك عليكم وأن يجعل بلاد الحرمين أمناً أماناً سخاءً رخاءً وجميع بلاد المسلمين، فنحن نكن لكم ولبلادكم كل الحب والتقدير، وأسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجمعني بكم في الدنيا على طاعته وفى الآخرة في جنات النعيم .
    والجواب أخي الحبيب، قال الشاطبي - رحمه الله تعالى - في كتابه الماتع الموافقات:- أنفع الطرق لتحصيل العلم طريقان -هذا كلام علماء الأصول- الطريق الأول: المشافهة، والمشافهة بمعنى أن يجلس طالب العلم بين يدي شيخه، هذا أنفع الطرق لتحصيل العلم، وهي أن يجلس طالب العلم بين يدي شيخه ومعلمه، ومن جميل ما قال: فإن الله تعالى يفتح على طالب العلم بين يدي شيخه ومعلمه بما لا يفتح به عليه دونه، قد يمكث الطالب ساعة كاملة في المكتبة بين بطون الكتب والمجلدات، تستشكل عليه مسألة فلا يعرف إشكالها، فإذا جلس بين يدي شيخه فقرأ الشيخ عليه المسألة بطريقة معينة، فوقف عند كلمة، وبدأ بكلمة، وفسر لفظة واحدة حل له لغز وإشكال المسألة، هذه بركة من فضل الله -تبارك وتعالى- يجدها الطالب في مجلس العلم والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك، ففي مجلس العلم تتنزل الرحمات، وتغشانا الملائكة، ويذكرنا الله -تبارك وتعالى- فيمن عنده، فلا شك أن مجلس العلم مجلس للرحمة والبركة، هذا هو الطريق الأول، وهو أنفع الطرق، لكن من رحمة الله بنا -كما تفضل أخونا الحبيب- أن كل أحد لا يستطيع الآن في ظل هذه الأزمنة وفى هذا الزمان وفى ظل هذه الظروف أن يذهب ليجلس بين يدي الشيخ كما يريد .
    قال الشاطبي -رحمه الله :- الطريق الثاني: مطالعة كتب المصنفين من أهل العلم من المتقدمين المتحققين بالعلم الشرعي، فإنهم أحرى بالعلم من غيرهم، بشرط أن يكون الطالب فاهماً لمصطلحاتهم .
    هذا طريق آخر من رحمة الله بنا، من لم يتيسر له أن يذهب إلى الشيخ؛ ليجلس بين يديه؛ فليطالع كتب العلماء، فليطالع كتب المصنفين، ولا مانع أن يسأل عالماً من العلماء كما ذكر أخونا الحبيب إن استشكلت عليه مسألة أن يتصل على عالم من العلماء، أو أن يجمع مجموعة من المسائل كما كنت أفعل أنا مع شيخي ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- أجمع مجموعة من المسائل، وأذهب إليه زيارة واحدة؛ لأعرض عليه المسائل، فيجيب لي على ما أريد وأنصرف، فلو جمع طالب العلم مجموعة من المسائل، وسافر سفراً طويلاً لشيخ من المشايخ، وعرض عليه المسائل، وبين له إشكالاتها، ثم عاد فهذا جميل، أو عبر الهاتف فهذا –أيضاً- جميل، أو إن استمع إلى الأشرطة فمن فضل الله -عز وجل- هذه وسيلة من الوسائل التي منَّ الله بها علينا في هذا الزمان، وأشرطة المشايخ قد شرحت كتباً بكاملها، فسيرى شرحاً لكتب كاملة لمشايخنا وعلمائنا الأكارم الأجلاء، فلا حرج إن تعذر على الطالب أن يذهب إلى الشيخ أن يطالع كتب المصنفين وأن يستمع إلى أشرطتهم، وإن استشكلت عليه مسألة من المسائل فليرجع إلى عالم من العلماء أو إلى داعية من الدعاة، والله أسأل ألا يحرمنا وإياكم من طلب العلم حتى نلقاه إنه ولي ذلك ومولاه .
    السؤال لفضيلة الشيخ محمد، فضيلة الشيخ نشهد الله سبحانه وتعالى أنا نحبك في الله
    أحبك الذي أحببتني فيه .
    وسؤالي هو شرحت فضيلة الشيخ أن من أعظم صفات الله سبحانه وتعالى هي الرحمن والرحيم فهل من الممكن إعادة تفسير هذه الصفات فضلاً لا أمراً ؟
    الرحمن والرحيم اسمان جليلان من أسماء الحق تبارك وتعالى يثبتان صفة الرحمة لله جلّ وعلا .
    وقلت : بأننا نثبت لله تبارك وتعالى ما أثبته لنفسه جلّ وعلا من الأسماء الحسنى والصفات العلى من غير تحريف لا للفظ ولا للمعنى ومن غير تعطيل يعني لا نعطل صفة من صفات الله تبارك وتعالى يعني لا ينبغي أبداً أن نعطل مثلاً صفة الاستواء فالله جلّ وعلا يقول ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طـه:5] فيأتي المعطلة كالجهمية وغيرهم ويقولون لا ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ يعني استولى لتعطيل صفة الاستواء، وهذا خلل في الفهم ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبصرنا بالحق وأن يتوفانا عليه ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ نثبت لله صفة الاستواء بما يليق بجلاله فنقول ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ استوى كما أخبر وعلى الوجه الذي أراد وبالمعنى الذي قال استواءً منزهاً عن الحلول والانتقال فلا العرش يحمله ولا الكرسي يسنده بل العرش وحملته والكرسى وعظمته الكل محمول بقدرته مقهور بجلال قبضته جلَّ وعلا قال جل جلاله ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الزمر:67] يقول جهم بن صفوان : لو كان الأمر بيدي لحككتها من المصحف وجعلتها الرحمن على العرش استولى، ليُلغي أو ليعطل صفة الاستواء .
    ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ ﴾[الفجر:22] يقولون : وجاء أمر ربك لإلغاء أو لتعطيل صفة التنزل أو نزول الحق تبارك وتعالى، لا ، الله جلّ وعلا يتنزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأول تنزلاً يليق بكماله وجلاله وهكذا، فكل اسم وكل صفة أثبتها الله لذاته وأثبتها نبيه صلى الله عليه وسلم له فنحن نؤمن بها من غير تحريف للفظها ولا لمعناها ومن غير تعطيل أو تشبيه أو تمثيل . فمن أعظم الأصول أننا لا نشبه الحق تبارك وتعالى في أسمائه وصفاته بالمخلوقين فالله يتكلم وأنا أتكلم لكن هل كلامي ككلام الحق تبارك وتعالى ؟
    الله يعجب وأنا أعجب لكن هل تعجبي كتعجب الحق تبارك وتعالى ؟
    الله يغضب وأنا أغضب لكن هل غضبي كغضب الحق تبارك وتعالى ؟
    اقطع الطمع في إدراك كيفية الذات، وأنا أضرب مثالاً لهؤلاء الذين يريدون أن يفلسفوا حتى هذه المسائل العقدية فلسفة عقلية وأقول هل ينكر صاحب عقل رشيد أن عالماً يسمى بعالم النمل يعيش بيننا؟
    والجواب : لا، لا ينكر عاقل رشيد أن النمل يعيش معنا لأننا نرى النمل .
    السؤال الثاني هل ينكر عاقل أن للنمل لغةً يتكلم بها ؟
    والجواب : لا، بل للنمل لغة بدليل أنك ترى النملة إن عجزت عن حمل لقمة خبز كبيرة ذهبت فأتت بسرب من النمل فحملوا هذه اللقمةَ معها .
    والقرآن يثبت صفة الكلام للنمل ﴿ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ﴾[النمل:18] الآيات .
    السؤال الثالث : هل طمع عاقل أن يأتي بمكبر صوت عبر كاسيت ووضعه يوماً بين مجموعة من النمل ليسجل لغة النمل ؟
    والجواب : لا، لم يطمع عاقل في ذلك، قطع العقلاء الطمع في إدراك كيف يتكلم النمل أفنقطع الطمع في إدراك كيف يتكلم النمل وهو من خلق الله ولا يقطع الطمع في إدراك كيف يتكلم الله وهو الخالق .
    فاقطع الطمع في إدراك كيفية الذات، فالله تبارك وتعالى له أسماء نثبتها وله صفات نثبتها، بما يليق بكماله وجلاله تبارك وتعالى قال جلّ وعلا ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[الشورى: 11] فالاسمان الجليلان يثبتان صفة الرحمة لله تبارك وتعالى، وهي من أجلِّ صفات الله، ومن أعظم صفات الحق تبارك وتعالى، ورحمة الله لا تحدها حدود، ذكرت بعض الأدلة، أذكر دليلاً جديداً في هذا الباب أيضاً ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن الله تعالى جعل الرحمة مائة جزء ) الله الله الله ( إن الله تعالى جعل الرحمة مائة جزء فأنزل إلى الأرض جزءاً واحداً وأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً ) اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ! أنزل إلى الأرض جزءاً واحداً ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم ( فمنه ) أي فمن ذلك الجزء قال ( فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق حتى ترى الدابة ترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبة ) انظر إلى الرحمة، يعني رحمة النبي صلى الله عليه وسلم جزءٌ من جزءٍ من مائة جزء من رحمة الله لأن الله أنزل من رحمته إلى الأرض جزءاً من هذا الجزء رحمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رحمة الأم بولدها، رحمة الطبيب بمريضه، رحمة الغني بالفقير، رحمة القوي بالضعيف، كل صورة من صور الرحمة تلمسها وتراها في الكون إنما جزءٌ من جزءٍ من مائة جزء من رحمة الرحمن الرحيم جلّ وعلا نسأل الله أن يجعلنا أهلاً لرحمته وفضله .
    وعليكم السلام، عندي مجموعة أسئلة بالنسبة لطالب العلم في بداية الطلب هل لابد أن يكون حافظاً لكتاب الله ؟ .
    السؤال الثاني : هل يستطيع المبتدئ في الطلب أن يجمع كل العلوم يعني يشارك فيها كلها، التوحيد، الفقه، التفسير وهكذا ؟.
    روى البخاري ومسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال ( نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة ) بداية موفقة لأي طالب علم أن يبدأ بالقرآن الكريم، وأنا أعجب غاية العجب من طالب علم يفرغ وقته للطلب ثم تراه يبدأ بمنهج آخر بعيداً عن القرآن! أيُّ طلب هذا؟ القرآن أصل الأدلة فأي بركة هذه التى يبحث عنها طالب يبتعد فيشرق ويغرب ويبتعد عن القرآن بل أنا أقول يا أخوة القرآن هو كتاب الإيمان الأول وهو كتاب العقيدة الأول وهو كتاب التوحيد الأول إذا أردت أن تتعرف على التوحيد وإذا أردت أن تؤصل الإيمان في قلبك فعليك بالقرآن لأن القرآن من أوله إلى آخره في قضية الإيمان.
    من سورة الفاتحة إلى الناس في قضية الإيمان، لأن القرآن حديث مباشر عن الله عن ذاته عن أسماءه عن صفاته عن أفعاله وهو حديث عن أهل الإيمان الذين حققوا الإيمان وما أعد الله لهم في الدنيا والآخرة أو حديث عمن وقعوا في الشرك وكفروا بالله ولم يحققوا الإيمان وعما أعد الله لهم في الدنيا والآخرة أو حديث عن الجنة التي جعلها الله داراً لأهل الإيمان أو حديث عن النار التي جعلها الله داراً لأهل الكفر والعياذ بالله فالقرآن كله كتاب في قضية الإيمان .
    فأنا أنصح طالب العلم أن يبدأ بكتاب الله تبارك وتعالى، طالب العلم الذي يبدأ بالقرآن له سمت الطالب الذي يبدأ بباب من أبواب الجرح والتجريح لا أقول الجرح والتعديل ، الجرح والتجريح يبدأ الطالب بالتعرف بما يسمى الآن بالتصنيف، بداية شؤم لا ترى الطالب يحسن أن يقرأ سورة المطففين والله، والله لقد رأيت طالباً من الطلاب لمَّا تنبت لحيته بعد ولما ينبت شاربه ودخلت عليه في مكتبة ما فوجدت الطالب جالساً يحقق حديثاً، فسعدت به تحقق حديثاً لا أقول أُخَرِّج وإذا بالطالب أقول له يا أخي هات تعال ما هو الحديث ؟ قال كذا، قلت هذا حديث صحيح، قال من صححه يا شيخ، قلت الشيخ الألباني، قال معلش أصل الشيخ كان متساهلاً في التصحيح .
    قلت : اقرأ سورة المطففين، والله ما قرأها .
    فأنا أنصح الطالب أن يبدأ بكتاب الله تبارك وتعالى وأن يثني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يقرأ أو أن يدرس منهجاً واحداً من مناهج العلم فإن أنهي المنهج يرجع إلى منهج آخر وهكذا .
    وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما علمنا وأن يرزقنا قلوباً خاشعة ، وآذاناً واعية وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، إنه ولي ذلك ومولاه .
    انتهى الدرس الأول , ونسأل الله لنا ولكم النفع والخير , ونلتقي معكم الأسبوع القادم بدرس جديد من دروس سلسلة التوحيد ان شاء الله

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد أبريل 28, 2024 1:36 pm