السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياكم الله وبياكم نلتقي اليوم وإياكم مع الدرس الثاني من دروس التوحيد ونترككم الآن مع المادة الصوتية
http://www.islamacademy.net/Index.aspx?function=Item&id=43&node=61&format=rm&lang=Ar
والآن ننتقل وإياكم للمادة الكتابية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلي وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد، فحياكم الله جميعًا أيها الإخوة الفضلاء، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعًا من الجنة منزلا، وأسأل الله -جلّ وعلا- الذي جمعنا في هذا اللقاء الطيب المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة في جنته ودار مقامته، إنه وليُّ ذلك ومولاه.
أيها الأحبة، هذا هو لقاؤنا الثاني مع الأصول الثلاثة، وأذكر بالمتن مرة أخرى، يقول المصنف رحمه الله تعالى ( اعْلمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَعَلُّمُ أَرْبَع مَسَائِلَ:
المسألة الأُولَى: الْعِلْمُ: وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ، وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بالأَدِلَّةِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: الْعَمَلُ بِهِ.
المسألة الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ.
المسألة الرَّابِعَةُ: الصَّبْرُ عَلَى الأَذَى فِيهِ ).
الأمر بالعلم قبل القول والعمل
تكلمنا في اللقاء الماضي بفضل الله جلّ وعلا على المسألة الأولى، ألا وهي العلم، وقلت بأن العلم مقدمٌ على العمل، واستدل المصنف -رحمه الله تعالى- على ذلك بهذه الترجمة الفقيهة البليغة للإمام البخاري -رحمه الله- في كتاب العلم، حيث قال "باب العلم قبل القول والعمل"، وصدر هذا الباب بقول الله جلّ وعلا ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [البقرة: 19]، أمر الله جلّ وعلا نبيه في هذه الآية الكريمة بأمرين: فبدأ بالعلم وثنى بالعمل .
لماذا العلم قبل القول والعمل ؟
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى "قدم الله العلم على العمل؛ لأن العلم هو المصحح للنية التي يصح بها كل قولٍ وكل عمل"، إذًا قبل أن تتكلم وقبل أن تعمل يجب أن تتعلم، وتحدثت عن هذ المسألة، ولا أريد أن أكرر ما ذكرته في اللقاء الماضي بفضل الله جلّ وعلا.
العلم النافع هو الباعث على العمل
المسألة الثانية: العمل، العمل بالعلم، فكل علمٍ لا يفيد عملا ليس في الشرع ألبته ما يدل على استحبابه أو استحسانه، إذًا العلم النافع الذي مدح الله ورسوله أهله على الإطلاق هو العلم الباعث على العمل، قال الله جلّ وعلا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴿2﴾ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3]، وقال الله جلّ وعلا ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]، الفارق الكبير بين السلف والخلف إننا نرى بونًا شاسعًا وهوة سحيقة بين القول والفعل، ترى الآن تنظيرًا باهتًا باردًا، وما أيسر التنظير، لكن أين العمل؟! والله كلما تحدثت في هذا الباب أُشهد الله أنني أشعر بخجل وأشعر بتقصير؛ لأنه من منا لم يشعر بتقصير في حق ربه تبارك وتعالى؟، نتكلم كثيرًا، لكننا نعمل قليل، ويرن في أذني الآن قول القائل:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيبٌ يداوي الناس والطبيب عليل
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الصدق فيما نقوله في هذه المسألة الثانية، في مسألة العمل.
إلهي لا تعذبني فإني مقرٌ بالذي قد كان مني
فكم من ذلةٍ لي في البرايا وأنت عليّ ذو فضلٍ ومنِ
يظن الناس بي خيرًا وإني لشر الناس إن لم تعف عني
خطر العلم بدون عمل
أيها الإخوة، إن أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة والحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ( أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة، عالمٌ وقارئٌ للقرآن، أُتي به )، أي بالعالم، ( أُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: ما فما عملتُ؟ قال: تعلمتُ وعلمت، قال: كذبت، بل تعلمت ليقال عالم وقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في الناس )، عالم يُلقى في النار، وقارئٌ للقرآن ( أُتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت، قال: قرأتُ فيك القرآن، قال: كذبت، بل قرأت ليُقال قارئ وقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل آتاه الله من أصناف المال، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، فقال: فما عملت، قال: ما تركت سبيلا تحب أن يُنفق فيها لك إلا وأنفقتُ فيها لك، قال: كذبت، ولكنك أنفقت ليقال هو جواد وقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجلٌ استشهد )، سقط في الميدان شهيدًا فيما ينظر الناس، ( فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتُ، قال: قاتلت فيك حتى قتلت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال شهيد وقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار ).
انظروا إلى خطر العلم بغير عمل، فكل علم لا يفيد عملا ليس في القرآن ولا في السنة ما يدل البتة على استحسانه، فما قيمة علمٍ لا يورثنا الخشية من الله جلّ وعلا؟، ما قيمة علم لا يورثنا الطاعة؟ ما قيمة علم لا يدفعنا دفعًا إلى القرب من الله تبارك وتعالى؟ قال الله جلّ وعلا ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28] .
القضية أيها الأحبة ليست في التحصيل فحسب، وإنما في أن نحول هذا العلم الرباني القرآني والنبوي في حياتنا إلى واقع، إلى منهج عملي، ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه ) أي أمعاؤه، ( فيُدار بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار، يا فلان يا فلان مالك؟ ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه ).
ألا أيها المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذو السقام من الدما كيما تصح منه وأنت سقيم
ابدأ بنفسها فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
وهناك يُقبل ما تقول ويُقتدى بالقول منك وينفع التعليم
أسأل الله أن يرزقنا الصدق في الأقوال والأعمال والأحوال .
كان مالك بن دينار رحمه الله تعالى يقول "إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا"، أي كما يزل الماء عن الحجر الأملس، كم من مذكر بالله وهو ناسٍ له، وكم من مخوف من الله وهو جرئٌ على الله، وكم من تالٍ لكتاب الله وهو منسلخ عن آيات الله، وكم من مقرب إلى الله وهو بعيد عن الله، اللهم ارزقنا الصدق والإخلاص في الأقوال والأعمال والأحوال.
كان أبو الدرداء رضي الله عنه، وإن كان في سند الرواية ضعف، كان يقول "إنما أخاف أن يُقال لي يوم القيامة أعلمت أم جهلت؟ فأقول علمت" .
أحفظ الأدلة وأقول قال الله وروى البخاري وروى مسلم وروى أحمد، أحفظ الأدلة وأمضي فيها كالسهم، لكن فتش عن قلبك، فتش عن عملك، "إنما أخاف أن يُقال لي يوم القيامة أعلمت أم جهلت؟ فأقول علمت، فلا تبقى آية من كتاب الله آمرة أو زاجرة إلا جاءتني تسألني فريضتها، فتقول الآمرة: هل ائتمرت، وتقول الزاجرة: هل انزجرت، فأعوذ بالله من عمل لا ينفع وقلب لا يخشع ونفس لا تشبع، ودعوة لا تسمع أو لا يُستجاب لها".
هل تتصور أن النبي صلى الله عليه وسلم الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، الذي فُطر على التوحيد، الذي عصمه الله جلّ وعلا، هل تتصور أنه كان يدعو الله تبارك وتعالى وكان يعوذ بالله من علم لا ينفع، هل فكر كثيرٌ من طلاب العلم الجرءاء الآن على التطاول على الرموز، هل فكر كثيرٌ من هؤلاء الجرءاء الذين يتطاولون على العلماء ورموز هذه الأمة، هل فكر أحدهم في استعاذة رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع، هل هناك علم لا ينفع؟ نعم، هناك علم لا ينفع، العلم الذي لا يورث صاحبه الأدب لا ينفعه، العلم الذي لا يورث صاحبه الخشيه لا ينفع، العلم الذي لا يورث صاحبه التواضع لله ولرسول الله ثم لأهل العلم لا ينفعه، ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28] .
سئل الإمام أحمد مَن العالم؟ قال ليس العلم بكثرة الرواية والدراية، ولكن العلم خشية الله، قال تعالى ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].
روى مسلم وغيره من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع )، الرسول صلى الله عليه وسلم، هل استعذت أنت بالله من علم لا ينفع؟ يعني لو سألت نفسي أنا ولو سألت الطلاب الآن بين يدي، ما هي آخر مرة استعذت فيها بالله تعالى من علم لا ينفع؟ ما هي آخر مرة؟ والله لو أذنت لنا ولإخواني الآن بين يدي بالجواب لانقلب إلي بصري خاسئًا وهو حسير، ما آخر مرة تضرعت فيها إلى الله وتململت بين يديه جلّ وعلا كتململ العصور المبلل بماء المطر واستعذت به تبارك وتعالى من علم لا ينفع، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، ودعوة لا يُستجاب لها ).
وكان علي-الله ! ما أروع كلمات هذا الأثر- وإن كان في سنده ضعف أيضًا من باب الأمانة العلمية، والأثر رواه ابن ماجة والدارمي وكذا ذكره ابن عبد البر رحمه الله تعالى وغيره- كان علي - رضي الله عنه - يقول " يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم من علم ثم عمل ووافق علمه عمله، وسيأتي أقوامٌ يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يقعدون حلقًا يباهي بعضهم بعضًا، حتى إن أحدهم ليغضب على جليسه إن تركه جلس إلى غيره، أولئك لا ترفع أعمالهم تلك إلى الله عزّ وجلّ "، هل يجسد علي رضي الله عنه واقع كثير من طلاب العلم الآن؟، " .
يا حملة العلم اعملوا به، فإن العالم من علم ثم عمل ووافق علمه عمله، وسيأتي أقوامٌ يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يقعدون حلقًا يباهي بعضهم بعضًا "، يحضر عندي ألف، والآخر يقول ويحضر عندي ألفان، وفي حلقتي طلاب العلم وفي حلقتك عامة المسلمين، مع أنهم محل دعوة الدعاة إلى الله جلّ وعلا، فلانُ عالم، وفلان؟ هذا واعظ، وفلان جاهل بالواقع، وفلان مازال في دورة المياه يعلم الناس أحكام قضاء الحاجة، وفلان عالم حيض وعالم نفاس، "
أقوامٌ يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم، يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يقعدون حلقًا يباهي بعضهم بعضًا، حتى إن أحدهم ليغضب على جليسه إن جلس إلى غيره "، حتى لو ذهب إلى رجل من علماء أهل السنة، " حتى إن أحدهم ليغضب على جليسه إن جلس إلى غيره، أولئك لا ترفع أعمالهم تلك إلى الله عزّ وجلّ ".
فالقضية إذًا أيها الأحبة قضية عمل، أنا أقول لطلابنا قد يكون من اليسير جدًا أن نقدم منهجًا نظريًّا في التربية والأخلاق، بل إن المنهج موجود، القرآن موجودٌ بين أيدينا، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم موجودة بين أيدينا، فمن اليسير جدًا أن نقدم منهجًا نظريًّا في التربية والأخلاق، لكن هذا المنهج سيظل حبرًا على الورق ما لم يتحول هذا المنهج في حياتنا إلى واقعٍ عمليٍّ ومنهج حياة، وهذا هو السر الذي من خلاله استطاع نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقيم للإسلام دولة من فتات متناثر وسط صحراء تموج بالكفر والجهل موجًا، فإذا بدولة الإسلام بناءٌ شامخٌ لا يطاوله بناء، وذلك في فترة لا تُساوي في حساب الزمن شيئًا على الإطلاق، وذلك يوم أن نجح نبينا صلى الله عليه وسلم في طبع عشرات الآلاف من النسخ من المنهج القرآني والنبوي، لكنه لم يطبعها بالحبر على صحائف الأوراق في بطون الكتب والمجلدات أو عبر أشرطة الكاسيت أو السديهات، وإنما طبعها صلى الله عليه وسلم على صحائف قلوب الصحابة بمداد من التقى والهدى والنور، فانطلق الصحب الكرام وحولوا هذا المنهج الرباني والقرآني والنبوي إلى منهج حياة، إلى واقع يتألق سموًّا وعظمة وصدقًا وإخلاصًا وعملا وبناءً.
فالفارق الكبير بيننا وبينهم أننا ربما نجد الآن عند كل طالب علم من الكتب والمجلدات والله ما لم تكن هذه عند السلف، والله ما كانت هذه الكتب والمجلدات بسمتها ورسمها وعددها وكمها عند السلف، ولكنهم حولوا هذا المنهج إلى عمل ، فما أحوجنا أن نحول هذا العلم إلى عمل، وإلا فالعلم عاريةٌ لا يُنتفع به إلا إذا حوله صاحبه إلى منهجٍ عملي، ﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ ﴾ [يوسف: 68]، قال قتادة "وإنه لذو علمٍ لما علمناه"، وعلا ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3]، أكتفي بهذا القدر في هذه المسألة الثانية، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الصدق في القول والعمل والحال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
قال المصنف رحمه الله تعالى ( المسألة الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ )، الدعوة إلى ماذا؟ إلى العلم أم إلى العمل؟
هل يعود الضمير في قول المصنف ( الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ ) على العمل أم على العلم، والراجح الدعوة إلى العمل بالعلم، فقد أصلنا الآن أن علمًا بدون عمل لا قيمة له، الدعوة إلى العمل بالعلم، الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، لاسيما وقد عَرَّف الشيخ العلم بقول ( الْعِلْمُ: وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ، وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بالأَدِلَّةِ )، وسأرجئ الحديث عن معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالحديث عن الأصول الثلاثة إن شاء الله تعالى، فهذا هو لب كتابنا بإذن الله جلّ وعلا.
فضل الدعوة إلى الله
إذًا، الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، الدعوة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، الدعوة إلى الإسلام، الدعوة إلى العمل بهذا الدين، الدعوة إلى العمل بالأمر، الدعوة إلى العمل باجتناب النهي، الدعوة إلى العمل بالوقوف عند حدود الله تبارك وتعالى، والدعوة إلى الله أيها الأفاضل من أعظم القربات التي افترضها الله على هذه الأمة، وقد دلت الأدلة من القرآن والسنة على وجوب الدعوة إلى الله على منهج رسول الله r فقال الله سبحانه وتعالى ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، وقال الله جلّ وعلا ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108] .
قال ابن القيم رحمه الله: "ولا يكون الرجل من أتباع النبي r حقًا حتى يدعو إلى ما دعى إليه النبي r على بصيرة"، الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، شرف هذه الأمة، ونسب هذه الأمة.