رحى الأيام الثلاثاء فبراير 09, 2010 10:41 am
بعد هذا ننتقل إلى المياه قال المؤلف –رحمه الله كما سمعتم قبل قليل ( خلق الماء طهوراً، يطهر من الأحداث والنجاسات، ولا تحصل الطهارة بمائع غيره ) الفقهاء -رحمهم الله تعالى- لهم طريقتان في تقسيم المياه :
الطريقة الأولى: تقسيم المياه إلى ثلاثة أقسام :
- طهور .
- وطاهر .
- ونجس .والطريقة الثانية: تقسيم المياه إلى نوعين فقط أو قسمين فقط :
- طاهر .
- ونجس .
ويقول: إنه لا وجود لقسم ثالث، وممن تزعم هذا الرأي الأخير شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله تعالى- .
على كل حال، الناظر في هذا التقسيم، والناظر في واقع كلام الفقهاء -رحمهم الله تعالى- حول هذه المياه، يجد أن هناك ملحظ لاحظه الفقهاء-الذين قسموا الماء إلى ثلاثة أقسام- جعلهم يقسمون المياه إلى ثلاثة أقسام، وهناك ملحظ لاحظه شيخ الإسلام ومن وافقه جعله يقسم المياه إلى قسمين .
الفقهاء -رحمهم الله تعالى- الذين قسموا الماء إلى ثلاثة أقسام نظروا إلى أن هذا الماء الذي معنا، هل هو طاهر ومطهر؟ أو أنه طاهر فقط، ولا يمكن التطهر به ؟
نعم، طاهر في نفسه، ولا يمكن التطهر به، أو أنه نجس ؟
لما ننظر فيما ذكروه في قسم الطاهر، نجد أنهم ذكروا أنواعاً هي في حقيقتها ليست ماء، كما سيأتي في الكلام عن قسم الطاهر، ولهذا لا مشاحة، سواء قلنا إن الماء ثلاثة أقسام: طهور، وطاهر، ونجس، أو قلنا: إنه طاهر، ونجس، على كل حال سنبدأ بهذه الأقسام الموجودة معنا التى ذكرها المؤلف، وننظر فيها .
النوع الأول: هو الطهور، وهو الماء المطلق الذي لم يقيد بوصف، الماء المطلق الباقي على خلقته التي خلق عليها، ويشمل ماء البحار، والأنهار، والآبار، والعيون وغير ذلك .
فهذا الماء المطلق الباقي على أصله، وعلى خلقته التي خلقه الله - تبارك وتعالى – عليها يعتبر طهوراً، يرفع الأحداث، وتزال به النجاسات، وهذا لا خلاف فيه أنه طاهر في نفسه، ومطهر لغيره، يرفع الأحداث ويزيل الأنجاس.
وقد دلت على ذلك أدلة كثيرة منها قول الله - تبارك وتعالى – ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ﴾[الفرقان: 48] .وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم – في ماء البحر ( هو الطهور ماؤه، الحل ميتته ) وقوله - صلى الله عليه وسلم – ( اللهم اطهرني بالماء، والثلج، والبرد ).وتوضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم – من الآبار، وغير ذلك .
فحكم هذا الماء أنه طاهر في نفسه -كما سبق- مطهر لغيره، يرفع الأحداث، ويزيل الأنجاس، إلا أن هذا الماء قد يرد عليه شيء .
يعني معنى الكلام الذي قلته هو معنى قول المؤلف هنا خلق الماء طهوراًَ، الماء الباقي على خلقته طهور، يطهر من الأحداث، يعني بالوضوء، والغسل، ويطهر أيضاً من النجاسات التى تطرأ أيضاً على المحل النجس .
قال: ( ولا تحصل الطهارة بمائع غيره ) أما بالنسبة للحدث، فهذا لا إشكال فيه لا يرفع الحدث، يعني لا يتوضأ، ولا يغتسل عن الجنابة إلا بالماء، ولا يرفع الحدث غير الماء من السوائل الأخرى، وهذا لا خلاف فيه .
وأما النجاسات، فالمسألة فيها كلام لأهل العلم، بعضهم يقول: حتى النجاسات لا يطهرها إلا الماء، بينما البعض الآخر يقول: لا، المقصود بالتطهير من النجاسات، أو بالطهارة من النجاسات تنقية المحل منها، فلا يشترط الماء، بأي وسيلة حصلت التنقية، بأي وسيلة حصل النقاء التام فإنها تحصل الطهارة من النجاسات، وهذا هو الأولى هو الأرجح .
قال: ( فإذا بلغ الماء قلتين، أو كان جارياً لم ينجسه شيء ) معنى كلام المؤلف، الماء عند الفقهاء أو بعض الفقهاء لا يخلو أما يكون قليلاً، أو كثيراً، ما حد القليل؟ وما حد الكثير؟ قالوا: حد القليل ما كان أقل من قلتين، وما كان فوق قلتين فهو كثير.
ما حكم الماء القليل؟ وما حكم الماء الكثير ؟
قالوا : الماء القليل الذي أقل من قلتين هذا ينجُس ولو لم يتغير بالنجاسة، والماء الكثير الذي هو قلتان فأكثر هذا لا ينجس إلا بالتغير بالنجاسة، إما أن يتغير لونه أو طعمه أو ريحه بها، فإذا تغير بالنجاسة حكمنا بأنه نجس، وإذا لم يتغير بالنجاسة لا بلون، ولا بطعم، ولا بريح، فإنه يعتبر طهوراً .
ما قدر القلتين ؟ قدر القلتين قالوا خمس قرب تقريباً، ولكن لما أراد المعاصرون أن يحددوا هذه الكمية بالواحدات المعاصرة قالوا : تقدر القلتان بما يقارب مائتي كيلو جرام، أو بما يقارب مائتين وسبعين لتر من الماء .
على كل حال هذا منهج ورأي لكثير من أهل العلم، كثير من الفقهاء، أن التفريق بين القلتين فأكثر وما هو دون القلتين، ولكن الرأي الذي يرجحه المحققون من أهل العلم: أنه لا فرق بين القليل والكثير، الماء لا ينجُس إلا إذا تغير بالنجاسة، بطعم أو بلون أو بريح، إذا تغير بها فيعتبر نجساً، وإذا لم يتغير بها يعتبر طهوراً، فكلام المؤلف بناء على منهج كثير من الفقهاء في التفريق بين ما دون القلتين وما هو أكثر؛ ولهذا قال: ( فإذا بلغ الماء القلتين، أو كان جارياً لم ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه)
إذا تغير طعم الماء، أو لونه، أو ريحه بالنجاسة، فهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم أنه يعتبر نجساً، وما سوى ذلك ينجس بمخالطة النجاسة، فما دون القلتين ينجس بمجرد مخالطة النجاسة، ولو لم يتغير بالنجاسة وهذا بناء على المذهب الحنبلي، ومن يوافقه من المذاهب في هذا .
ثم قال: ( والقلتان ما قارب مائة وثمانية أرطال بالدمشقي ) وبينت لكم أن هذا وحدات قديمة على عهد المؤلف -رحمه الله تعالى- إنما الآن هي تقدر بما ذكرت قبل قليل .
قبل أن ننتقل إلى الطاهر، نريد أن نفتح المجال لكم إذا كان هناك سؤال بما يتعلق بالطهور أو لا.
أحسن الله إليكم يا شيخ : كيف نجمع بين حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – ( إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء ) وحديث ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء )
هذان الحديثان الحقيقة هما المنشأ، أو العمدة التي اعتمد عليها بعض الفقهاء في قضية التفريق بين الماء القليل، والماء الكثير، وعندنا حديث آخر ( إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث ) .
أما حديث ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) فهذا حديث صحيح، وجاء في حديث آخر، الحديث الأول هذا حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ) والحديث الثاني: هو حديث أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على ريحه أو لونه أو طعمه ) .الحديث الأول- كما قلت- حديث صحيح، صححه غالب الحفاظ، غالب المحققين من المحدثين .
الحديث الثاني: جزأه الأول وافق الحديث الأول، إنما الجزء الثاني هذا ضعيف قد ضعفه المحققون من المحدثين، وعلى هذا قالوا: إن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا إذا تغيرت رائحته، أو لونه، أو طعمه بريح، لا بهذا الحديث الضعيف، وإنما بالإجماع، قالوا: أجمع العلماء على أن الماء الكثير إذا تغير بنجاسة لونه أو طعمه أو ريحه فإنه ينجُس؛ لأن إطلاق الحديث و عموم الحديث يدل على أنه لا ينجسه شيء مطلقاً؛ لأنه قال: إن الماء طهور لا ينجسه شيء، لكن الإجماع قام على أنه إذا تغيرت رائحة الماء بالنجاسة، أو تغير طعمه بالنجاسة، أو تغير لونه بالنجاسة، فإنه يعتبر نجاساً .
هناك سؤال: ماء طهور وتغير بالتراب ؟ أو بالطين فما رأيك، هل هو طهور أو طاهر أم نجس؟
إنه طهور؛ لأن التراب لا يمكن أن نحجزه عن الماء
سؤال آخر-ونؤجل الجواب عن الأسئلة هذه كلها جميعاً- ماء تغير بالصابون، أنت تغسل الماء، ثم وضعت فيه صابون فتغير لونه أو رائحته، هل يعتبر هذا طاهر أم نجس ؟
طهور أو طاهر أو نجس ؟
في هذه الحالة يخرج عن تعريف الماء، فلا نطلق عليه ماء
لا يطلق عليه ماء، أنت تتوضأ بالماء، وتريد أن تغسل بالماء، ووضعت قليلاً من الصابون فيه إذا ما يمنعك ؟
إذا اختلط بالماء فهو خرج من الماء
فيه أحد عنده إجابة ثانية ؟
هو طهور يا شيخ؛ لأنه مطهر لغيره نفس الماء واختلط بالصابون
الواقع يا إخواني، جواباً على هذه الأسئلة، عندنا ماء الطهور قد يرد عليه أشياء، قد تغيره إلى مسمى آخر، وقد لا تغيره، وهذه الأشياء الواردة عليه قد تكون طاهرة، وقد تكون غير طاهرة مثلاً : الماء يتعرض لسقوط الأوراق فيه، يتعرض لنبات ينبت فيه، يتعرض لوجود الطحالب فيه، يتعرض لوجود التراب لما يجري الماء، تلاحظون الآن مياه الأمطار لما تجري السيول متغيرة بالتراب وبالطين، قد يتغير أيضاً بالعجين، قد تتغير بالجلود لما توضع في قرب، هذه الأشياء الطاهرة التي يتغير بها الماء ولا تنقله عن مسماه لا تؤثر فيه، فيعتبر باقيًا على طهوريته، ويعتبر ماءً طهوراً يجوز رفع الأحداث به وإزالة النجاسات به .
أيضاً قد يتغير بسبب التسخين، يسخن الماء سواء بالشمس، أو بالحطب، أو بالغاز، أو بالكهرباء أو غير ذلك، فما حكم هذا الماء المسخن، هل يجوز استخدامه أو لا ؟
أنت الآن في الشتاء والجو بارد جداً، هل يكره أن تسخن الماء ؟ لا ، لا يكره الذي قيل إنه يكره المسخن بالشمس، قال بعض الفقهاء: إنه يكره وذكروا علة لذلك، قالوا: إنه يسبب البرص، ولكن الصحيح أنه لا يكره، وأن هذه العلة واهية وليست صحيحة، والحديث الوارد في ذلك حديث مردود، حديث لم يصح، الحديث الوارد في هذا هو حديث عائشة أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال لها:( لا تفعلي فإنه يورث البرص) هذا حديث لا يصح؛ ولهذا فالصحيح أن الماء المسخن لا يؤثر فيه التسخين، قالوا: إلا إذا اشتد حره، فحينئذ يكرهون هذا؛ لأنه قد يصعب الوضوء به، فقد لا يتم الوضوء به، قد لا يحصل الإسباغ به، ومثل ذلك الماء البارد جداً الذي قد لا يتم الإسباغ به مع برودته الشديدة .
أما إذا ورد على الماء الطهور شيء، أو شيء غير مسماه إلى مسمى آخر فهذا سيأتي بحثه في الطاهر . تفضل .
يتبع